الأربعاء، 25 أغسطس 2010

رمضان و رحلة التغيير


النفوس ثلاثة:
1 – نفس مطمئنَّة بالطاعات والإيمان.
2 – نفس لوَّامة تلوم المؤمن على خطئه.
3 – نفس أمارة بالسوء.
فاعمل على أن تحول نفسك الأمَّارة بالسوء إلى نفس لوَّامة تلومك على التفريط، فالشَّكَّ في النيَّة والوساوس الشيطانيَّة دلالة على صريح الإيمان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالحديث لأن أخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أتكلم به، قال: ((ذلك صريح الإيمان))؛ أحمد: 2/ 397، رقم 9145
فإنَّ وراء علوِّ رتبة النفس سعادةً دنيويةً وسعادةً أخرويةً، ثم اعمل على بلوغ مرتبة النفس المطمئنة، وذلك نعيم الدنيا والآخرة، رزقنا الله ذلك أجمعين..!
وهنا أذكرك أنَّ الكلَّ منَّا مهما كان لديْهِ نقص شديد في أمور كثيرة ونواح متعددة، فإن آفاق التغيير إلى الأفضل واسعة كثيرة ليس لها حد ولا عد.. ولكن أي راغب في تحسين حاله عليه أن يتدرج بشكل معقول؛ فلا هو يدبُّ دبيبًا ويضع أهدافًا بسيطة للغاية لدرجة أنَّ نفسَه تَستهينُ بِها، ولا أن يضع أهدافًا مثالية ويستعجل تحسين حاله.

 

لماذا رمضان؟!
رمضان شهر مُناسب للتَّغْيِير بالذَّات على المستوى الإيماني والعمل الصالح والسلوك الفاضل، فهو موسم للطاعات وأجرها مضاعف، وفيه عوامل متعدِّدة تساعد على التغيير مثل:
1 – كسر العادات: من المعروف أنَّه عندما تكسر العادة يكون كسرُ غيرِها أسهلَ، وكلَّما كان نَمَط حياتك واحدًا كلَّما صعب تغييره، ولهذا في رمضان يتغيَّر نَمَط حياتك بفريضة الصيام لهذا يكون التغيير سهلاً ميسورًا.
2 – الدَّاعي إلى الخير أقوى: ففي رمضان تصفَّدُ الشَّياطين ويفتح مجال الداعي إلى الخير؛ يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان أول ليلة في شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ، يا باغي الخير، أقبل، ويا باغي الشر، أقصِرْ، ولِلَّه عُتقاء من النار وذلك كل ليلة))؛ رواه الترمذي، وهل هناك أفضل من هذه الظروف؟
3 – يرتفع مستوى الإيمان: وهذا عند أغلب الناس خلال شهر رمضان، بسبب الجو الإيماني، وفريضة الصوم، ولهذا يسهل التغيير في هذا الشهر الكريم.
4 – رمضان شهر نصر للمسلمين: والمسلم أولى بالانتصار على شهوات نفسه خلال الشهر ومن ثم كسر حدَّتها بقية الشهور.
5 – الصوم بحد ذاته يعطيك شعورًا حقيقيًّا بقدرتك على كبح جماح النفس وتغيير عاداتك، وهذا يقوي إرادتك؛ فإذا كنتَ عازمًا على أن تكون أفضل فعليك بهذه الفرصة السانحة انتهزها.

 

الآن حدِّدْ: ما هدفُك؟
التَّغْيير يُمكن أن يشمل أيَّ شيء لكنْ عليْكَ في بداية هذا الشهر الكريم أن تُحَدِّدَ أهدافًا تبلغها في آخِره وعليْكَ بالتَّفْكِير مليًّا قبل أن تلتَزِم بِهذه الخُطَّة.
أولاً: عليك أن تجري مسحًا حول حياتك وعلاقاتك، مع الله، مع نفسك، مع بيتك، مع أقاربك والناس، مع جسدك، مع عملك، مع تعلمك وتطورك.
ثانيًا: ابحث عن هدفٍ يُمكنُك الاستمرار عليه بعد رمضان، فرمضان شهر خير عميم، والمسلم فيه ذو خير كثير لكن عليك إضافة إلى العبادة الخاصَّة برمضان إضافة الأهداف التي تسعى أن تبقَى عليْها في غير رمضان.
ثالثًا: ابدأ من حيثُ تكون أنت لا من حيثُ يكون الآخرون؛ فإذا كنت تقرأ صفحتين من القرآن يوميًّا فأضِفْ ثالثة ولا تُقارِنْ نفسَك بِمن يقرأ جزءًا في اليوم مثلاً.
رابعًا: حاول أن تتحسَّن في معظم أمورك ولو تدريجيًّا؛ وبتعبيرٍ بسيط: علماء التغيير يقولون: إنَّ كلَّ تغيير، ولو كان بسيطًا، يجرُّ معه تغييرات كثيرة في ذات الاتجاه، فحاول وضع أهداف معقولة لكثير من شؤونك ليصلح حالك بإذن الله.
خامسًا: يمكن وضع إطار للتغيير لا تقلُّ النتائج عنه ووضع حدٍّ أعلى تهدف إليه؛ فيمكن مثلاً أن تهدف إلى أن تصلِّي 7 ركَعَات كل ليلة كقيام لليل، لكن لا تسمح لنفسك أن تكون أقل من 3 مثلاً كحد أدنى.
سادسًا: لا تنتظِرْ من الآخرين مُساندتَك دائمًا، بل خطِّطْ لِلتَّغيير اعتِمادًا على الله ثُمَّ نفسك؛ لأنَّ الاعتِماد على الآخَرين ومُساندتِهم يَجعلك تعذُر نفسك عن كلِّ تقصير باعتبار أنَّهم لم يقوموا بِما عليهم.

 

مثلاً: فكر بالأمور التالية، وهل تناسبك كأهداف؟!
- تحسين صلاتك إما بأدائها جماعة أو إدراك تكبيرة الإحرام أو التبكير إلى المسجد.
- الحفاظ على الورد اليومي وورد النَّوم.
- قراءة القرآن يوميًّا.
- طلب العلم الشرعي الضروري لك إما باستماع الأشرطة أو قراءة كتب محددة وبإطار زمني محدد.
- أن تصبح واصلاً للرحم وبارًّا بوالديك، ووضع مقياس محدد لذلك.
- أن تحسن علاقتك مع زوجك/ زوجتك وأولادك وبناتك، وكذلك وضع مقياس محدد لذلك.
- أن تخطط للالتزام بشيء من النوافل/ صوم/ صدقة/ صلاة/ دعاء بظهر الغيب/ تعليم الناس.
- أن تقلل من صفات لا تحبها مثل شح النفس، سوء الظن، والبخل، الغيبة، النميمة، الكذب، وغيرها.
جدول متابعة أعمال البر وعبادات :
أعمال البر
السبت
الأحد
الاثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة
قراءة القرآن              
حفظ اللسان              
غض البصر              
صلة الرحم: الوالدين/ الأسرة              
الصدقة              
زيارة مريض              
اتباع جنازة              
أعمال أخرى              

 

نصائح في الإعداد لرمضان
معرفة فضل المواسم: قال -صلى الله عليه وسلم-:(افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.

قال -صلى الله عليه وسلم-: (أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين قال يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين قال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين) رواه الطبراني، وصححه الألباني.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من حرم خيرها فقد حرم).
إعداد برنامج لرمضان من الآن: لا تكن كالذي دخل السوق بغير مال فليس له إلا المشاهدة والحرمان. قال -تعالى-: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)(التوبة:46).
مصاحبة ذوي الهمم العالية، وترك الكسالى: قال -صلى الله عليه وسلم-: (الرجل على دين خليله) رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني، وقالوا: الصاحب ساحب.

وقال الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)(الكهف:28).
وقال الله -تعالى-: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)(لقمان:15)، وليكن شعارك: "أريد معيناً على الخير"، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(التوبة:119).
أعد بيان بعيوب نفسك وذنوبك التي تعوق سيرك في رمضان، ابدأ في العلاج:
العادات المضيعة للأوقات: جلسات أصدقاء، جلسات عائلية ( آداب الزيارات )، أوقات ترفيهية.
احذر المسكنات: وهي تأجيل ذنوبك وقبائحك إلى ما بعد رمضان، سيكون الألم أشد والخسارة فادحة، لأن النية هنا فاسدة، قال -تعالى- في الحديث القدسي: (من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) رواه مسلم.
ابدأ من الآن في الاستئصال، وليكن شعارك: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)(طه:84).
معرفة قطاع الطريق: قال -صلى الله عليه وسلم-: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: (خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطاً مستقيمًا وقال: هذا صراط الله مستقيما، ثم خطوطًاً عن يمينه وشماله بعرضه، وقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان، ثم تلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) رواه أحمد، وحسنه الألباني.
قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)(النساء:27)، قال -تعالى-: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(البقرة:221).
التعرف على أحكام الصيام: وهذا يكون بمطالعة الكتب المتخصصة، وحضور المجالس المعلمة لذلك.
ابدأ ولا تنتظر حلول الوقت، من زرع حصد، قال -تعالى-: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر:60)، وقال -تعالى-: (فاذكروني أذكركم)(البقرة:152).
قال -صلى الله عليه وسلم- قال الله -تعالى-: (إذا تقرب العبد إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري.
وقال -صلى الله عليه وسلم- للذي سأل عن الساعة (وما أعددت لها؟) متفق عليه، وقال -تعالى-: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)(البقرة:110).

 


 


د. عمر المديفر. كيف تنجح في رمضان؟